ما هي الاستراتيجيات التي قمت بوضعها أنتَ وغيرك من الليبيين من أجل تحديد المعلومات المضللة ومواجهتها ومن أجل الاستمرار في إنشاء مساحات حرةٍ وآمنة على الإنترنت؟ أخشى أن ينسى الليبيون التقدم الذي أحرزناه من عام ٢٠١١ إلى عام ٢٠١٣ والحريات الصغيرة التي حققناها عبر الإنترنت في ذلك الوقت. كنت متفائلة للغاية وربما –ومع تذكر الماضي الآن- ساذجة في آمالي في تجربة مساحات آمنة على الإنترنت للتواصل بين النساء الليبيات. ونظرًا لأن المساحات الرقمية العامة أصبحت في غاية الخطورة، فقد حاولنا إنشاء مساحات مغلقة وربطها بين مناطق مختلفة، لربط “حلقات الوصل” مع سماسرة المعلومات للبدء في الحوار. في الأساس، كنا نحاول مواجهة خوارزميات الوسائط الاجتماعية يدويًا لإعطاء الناس وجهات نظر في مناطق ومجتمعات أخرى. لكن في النهاية اتسع المشروع كثيرًا وأصبح مكشوفًا للعيان بدرجة كبيرة وكان لا بد من إغلاقه مرة أخرى. وبقيت الكثير من النساء اللواتي اتصلنا بهن على تواصل من خلال شبكات غير منظمة عبر الإنترنت، ولكن هناك خطر لأنه من الصعب السيطرة عليها.
في ظل هذه البيئة، ازدادت حدة المعلومات المضللة والمسببة للتنافر على وسائل التواصل الاجتماعي بشكل خاص. غالبًا ما كانت تتم برمجة خوارزميات الوسائط الاجتماعية لإيصال المستخدمين إلى محتوىً يشبه ما يحبونه أو يتابعونه بالفعل. وهذا يعني أنه في المساحات الرقمية التي تطغى عليها مصادر المعلومات المنحازة أو المزيفة، يمكن أن تؤول تجارب المستخدمين عبر الإنترنت بسهولة إلى غرف صدى رقمية دون الكثير من التنوع أو المعلومات الموثوقة. كيف أثرت المعلومات المضللة على المجتمع الليبي؟ لقد أدى تأثير هذا الوضع -حيث ينتهي الأمر بالعديد من مستخدمي الإنترنت الليبيين إلى نفق مظلم من المعلومات المضللة وغرف صدى حيث تتزاحم الأصوات المحلية مع حسابات مزيفة- إلى تأجيج التنافر في المجتمع الليبي.
برز بعض الأشخاص كمصادر موثوقة في أحد الأحياء أو البلدات، أطلق عليهم اسم “حلقات الوصل”، فهم المسؤولون عن نشر المعلومات لمجتمعهم. “إن شيطنة المعارضين السياسيين ستصبح عقبة كبيرة أمام أي نوع من الحوار السياسي أو الجدل في المستقبل”. ولكن ماذا سيحدث بعدئذٍ إذا كان هذا الشخص أو هذه الهيئة منحاز/ة؟ فبمجرد أن يكتسب هؤلاء الأشخاص متابعين لهم على منصاتهم، يمكن في كثير من الأحيان أن يتم اختيارهم للنشر نيابة عن جماعة مسلحة أو حملة سياسية مقابل أجرة. لذلك يصبح كل شيء بعدها مشوهًا ونرجع إلى نموذج القذافي ولكن على نطاق محلي للغاية. ما أراه من محتوى على الإنترنت الآن يحرض على البغضاء الحقيقية تجاه الأشخاص في مختلف مناطق البلاد ويعزز العمى العاطفي، حيث لا يرغب الناس حتى في الاستماع إلى الجانب الآخر لأن كل ما يقولونه هو خطأ، كل ما يقولونه شر.
لذلك، أعتقد أنه من الصعب جدًا أن تنشئ أي شيء يمكنك البناء عليه بينما يوجد هناك نزاع نشط وأي شيء تقوله عبر الإنترنت يمكن أن يجعلك هدفًا أو يعرضك للخطر. في واقع الأمر، نحن في مرحلة متناقضة حيث يمكن لأشخاص مجهولين أو متسترين وراء حسابات مزيفة أن يؤججوا نيران التنافر دون تحمل أي عواقب، بينما أولئك الذين يحاولون تعزيز الحوار والمصالحة علانية يعرضون أنفسهم للخطر. “يعد فيسبوك وسيلة الاتصال الأساسية لثُلثي الليبيين … لقد قلل من التشديد على مكافحة المعلومات المضللة في العديد من البلدان غير الغربية”. اليوم، يعد فيسبوك وسيلة الاتصال الأساسية لثلثي الليبيين.
فتجربة وسائل التواصل الاجتماعي لشخص يعيش في جنوب ليبيا مختلفة تمامًا عن تجربة شخص يعيش في الغرب أو الشرق. فكل منهم يرى العالم بشكل مختلف تمامًا عن الآخر من خلال تجربته الرقمية. بعض الأشخاص يعرف كيفية الالتفاف حول هذا الأمر والعثور على أصوات أخرى، لكن الكثير من الناس سئموا من الافتقار إلى المعلومات الموثوقة وأصيبوا بجنون الريبة وفقدوا الثقة في جميع المعلومات خارج الحي الذي يقطنون فيه أو مجموعات وسائل التواصل الاجتماعي المحلية، والتي غالبًا ما تكون الطريقة الوحيدة للحصول على معلومات حول ما يجري حاليًا.
تسويق للفخار الليبي عبر الانترنت لحماية استمرارية حرفة مهددةصورة التقطت في 5 شباط/فبراير 2022 في معمل لصناعة الفخار في مدينة غريان الجبلية على بعد 80 كيلومتراً جنوب العاصمة الليبية طرابلس afp_tickers هذا المحتوى تم نشره يوم 10 مارس 2022 - 08:39 يوليو, (وكالة الصحافة الفرنسية أ ف ب) تراجع كثيرا مبيع الفخار الذي يشكّل فخر صناعة مدينة غريان الجبلية الموصوفة بـ"عاصمة الفخار" في شمال غرب ليبيا.. وفي محاولة لإنقاذ حرفتهم التي يتوارثونها منذ أجيال، يراهن الحرفيون اليوم على خدمة الإنترنت لزيادة إيرادات مبيع الفخار المحلي. على مسافة 80 كيلومتراً جنوب طرابلس، تنتشر عشرات المتاجر لبيع الفخار في غريان. ومع وفرة المعروض وقلة الطلب، أطلق مؤيد الشبعاني (35 عاما) مشروع "الفخار عند باب البيت" لتوصيل الفخار إلى الزبائن داخل ليبيا وخارجها. وتعرض في المتاجر مئات الأصناف من قطع الفخار الليبي، من الأطباق الملونة وأواني شرب المياه بزخارفها المميزة وفسيفسائها، إلى جانب قطع زينة للجدران وأوان للشتول.
كيف تغيرت المشاهد الرقمية في ليبيا على مدى العقد الماضي؟ في عام ٢٠١١، كان جزء ضئيل فقط من ستة ملايين ونصف المليون مواطن ليبي لديهم نشاط على الإنترنت أو لديهم هواتف ذكية. كان نظام القذافي يراقب الفضاء الرقمي بشدة وكان الاتصال بالإنترنت مكلفًا. بدأ ذلك يتغير بشكل كبير بعد الثورة. بحلول عام ٢٠١٣، كان هناك الكثير من النشاط حيث بدأ الليبيون في الانضمام إلى مساحات الإنترنت مع تنشيط مساحات الوسائط الرقمية، على الرغم من أنها لا تزال تُدار على الأغلب من قبل أشخاص ليبيين في الشتات. قامت المنظمات الدولية بالكثير من التدريب على القدرات.
وفي كل حملة على وسائل التواصل الاجتماعي، تقوم هذه الحسابات بصياغة رسالتها باللهجة المحلية لتناسب أهدافها وغاياتها. لجأت العديد من هذه الحملات إلى مصادر خارجية من خلال شركات مصرية كانت على دراية باللهجات الليبية والقضايا المحلية. في هذه الأثناء، كانت الجهات الفاعلة المدعومة من روسيا والمرتبطة بمجموعة فاغنر تنشط بشكل أكبر على فيسبوك وطوّرت أشكالاً أكثر براعة من المعلومات المضللة من خلال توظيف مستشارين ليبيين لإنشاء مجموعات محلية “بامتياز”، يمكنها أن تغرس معلومات مضللة بصورة أذكى لتجد صدىً لها عند الليبيين. وتقوم هذه المجموعات بالتقاط المظالم المحلية وتؤججها من خلال استرجاع الموضوعات المسببة للتنافر أمام الجمهور من أجل جذب المتابعين المتحمسين عبر الإنترنت الذين يتم إعدادهم فيما بعد ليكونوا أكثر تقبلاً للروايات الروسية حول الصراع.
تعتبر قوة روايات التنافر هذه هي الأبرز نظرًا للغة والدين المشتركين بين الجماعات الليبية المختلفة. إن شيطنة المعارضين السياسيين ستصبح عقبة كبيرة أمام أي نوع من الحوار السياسي أو الجدل في المستقبل. لقد أدى مناخ التنافر هذا وحقيقة أن معظم الليبيين يعيشون في غرف صدى رقمية إلى إعاقة عمل المبادرات للتأكد من الحقائق وتنشيط وسائل الإعلام التقليدية. ومع ذلك، ثابرت مجموعات مثل مشروع “أكاديمية دويتشه فيله” على إنشاء برامج تدقيق حقائق للصحافيين الليبيين. وعملت مثل هذه المبادرات على توسيع مهاراتها في البحوث الرقمية، وطورت من قدراتها على تمييز صحة المصادر عبر الإنترنت، وحسّنت من الكفاءة المهنية لغرف الأخبار لديهم.
يبدو أن العديد من هذه الروايات كانت تجريبية -تختبر رسائل مختلفة وحتى متضاربة- لمعرفة ما الذي قد يعطي التأثير الأكثر إثارة. في المقابل، كانت الحسابات الإماراتية والسعودية منسقة للغاية في محاولاتها لتضخيم أهداف محددة. “تقوم هذه المجموعات بالتقاط المظالم المحلية وتؤججها من خلال استرجاع الموضوعات المسببة للتنافر أمام الجمهور”. من جانب حكومة الوفاق الوطني، تُظهر البيانات المتوفرة لدينا حتى الآن أن تركيا وقطر كانتا أقل نشاطًا في إنتاج المعلومات الرقمية المضللة، ووضعتا مزيدًا من المصادر وركزتا على الرسائل من خلال القنوات التلفزيونية والإعلامية التقليدية التي تدعمها الدولة بدلاً من حسابات وسائل التواصل الاجتماعي المزورة أو ذات الامتياز. ولا تقوم هاتان الدولتان بالقدر نفسه من التضليل المنسق أو التلاعب عبر الإنترنت، ويرجع ذلك جزئيًا إلى أنه، على عكس الجيش الوطني الليبي وقوات حفتر المرتبطة دومًا بانتهاكات حقوق الإنسان، تشعر حكومة الوفاق الوطني بأنها أقل حاجة للطعن في سمعة الطرف الآخر من أجل تبرير أفعالها للمواطنين.
كانت المساحات الرقمية مربكة ولا تزال. فالذي يُعتبر إرهابيًا عند جهةٍ ما، يعتبر مقاتلًا من أجل الحرية عند جهةٍ أخرى. في الآونة الأخيرة، رأينا شخصيات صحافية مزيفة وجدت لنشر الدعاية في مختلف المنابر الإعلامية، بما في ذلك التوصيات السياسية المتعلقة بالصراع الليبي. علاوة على ذلك، تعمل شخصيات التواصل الاجتماعي ومؤثرو الحرب على قيادة الجهود المبذولة لبث روايات الكراهية والحملات السياسية إلى الجماهير الليبية. لماذا كانت هذه الحملات المضللة فعّالة إلى هذا الحد في ليبيا؟ على مدى أربعة عقود، كان نظام القذافي هو المصدر الوحيد للمعلومات في ليبيا.
هناك أمل بأن توفر الصحافة الجيدة في نهاية المطاف بديلاً موثوقًا وجذابًا عن روايات التنافر. من أجل بناء الثقة في وسائل الإعلام، يحتاج الصحافيون إلى الحماية والقدرة على الكلام بحرية. يطالب الصحافيون بسن قوانين جديدة من شأنها أن تبدأ في إيجاد هذه الحماية. نظم المركز الليبي لحرية الصحافة مؤتمرًا في عام ٢٠١٩ بدعم من منظمة دعم الإعلام الدولي في كوبنهاغن، لمعالجة هذه القضايا. كانت إحدى التوصيات الرئيسية إنشاء هيئة إعلامية مستقلة لمراقبة أخلاقيات الصحافة.
كرة القدم - beIN SPORTS
أخيرًا، على المستوى المحلي، لدينا جهات مسلحة غير حكومية تشكل بيئة للمعلومات. أكبرها هو تجمع مصراتة المتحالف مع حكومة الوفاق الوطني. ولديهم حضور نشط للغاية على فيسبوك. إنهم يديرون عملية سلسة للغاية مع من أُسميهم “المؤثرين في الحرب”، والذين يسمون بالمواطنين الصحافيين، أو أن الميليشيات نفسها تقوم ببث المحتوى مباشرة من الخطوط الأمامية. يقومون بعمل الكثير من مقاطع الفيديو، ويتم ذلك على الأغلب داخليًّا. يهدف محتوى هذه المنشورات إلى الحفاظ على الروح المعنوية وكسب الدعم العام والطعن في سمعة العدو من خلال منصاتهم.
أخبار ليبيا 24
Libya AL Mostakbal ليبيا المستقبل
وتمكنت هذه الجهات الأجنبية الفاعلة من استخدام المساحات الرقمية الليبية كوسيلة لتعزيز مصالحها دون تحمل عواقب أفعالهم المزعزعة للاستقرار. بالرجوع إلى عام ٢٠١٤، كانت هناك شبكات كبيرة من حسابات تويتر الإماراتية والسعودية المزيفة تعمل بنشاط على مزاحمة الأصوات المحلية الحقيقية عن طريق النشر، وإنشاء هاشتاغات للمرور بالموقع، وإذكاء المشاعر القومية في ليبيا. وابتداء من عام ٢٠١٩، تم حشد الآلاف من هذه الحسابات للتمجيد بحفتر وحملته العسكرية. ومن ضمن ذلك استحضار صور لنضالات عمر المختار (أوائل القرن العشرين) ضد الاستعمار الإيطالي لربط الجيش الوطني الليبي بالقتال ضد الغزاة الأجانب والإرهابيين. ومن التكتيكات الأخرى لهذه الحسابات المزيفة، تعريب الصراع وتصوير تركيا، التي تدعم حكومة الوفاق الوطني، على أنها الإمبراطورية العثمانية، والتذكير بأن ليبيا هي “مقبرة الأتراك”.
beIN SPORTS - بين سبورت - بي ان سبورت
كما أن الميليشيات الصغيرة الأخرى تقوم بذلك أيضًا، على الرغم من أنها ليست بارعة في الأعمال الرقمية. كل المعلومات المضللة التي تنتجها هذه الجماعات هي في الأساس من النوع نفسه للادعاءات الضيقة والمتدنية المستوى، كالقول بأنهم قد أسروا سجناء أو غنموا معدات معادية، والتي ربما تكون صحيحة أو غير ذلك. لا يبدو أن هذه الادعاءات منسقة ولا ترقى إلى مستوى ما رأيناه من حيث الروايات الكبرى التي تنتجها الشبكات الإماراتية والسعودية.
الرئيسية - عرب سات - Arabsat
.png)